روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | حين نتعلم تحمل المسئولية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > حين نتعلم تحمل المسئولية


  حين نتعلم تحمل المسئولية
     عدد مرات المشاهدة: 5071        عدد مرات الإرسال: 0

يتحمل كل فرد منّا ذكراً كان أو أنثى عدة أدوار ومسئوليات تجاه ربه ودينه وتجاه نفسه وأسرته وتجاه وطنه ومجتمعه ينبغي أن يؤديها حسب مكانه ومكانته وقدراته.

وبمقدار معرفة الفرد لعظم قدر المسئولية وفهمه لها، ثم حِرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها، يجعل المجتمع من حوله مجتمعاً متعاوناً فعالاً تسوده مشاعر الإنسجام والمودة بين أفراده.

ولقد إعتنى الإسلام بتربية أتباعه على تحمل المسئولية سواء كانت مسئولية فردية أو جماعية ووضع ضوابط تتمثل في الحقوق والواجبات يلتزم بها كافة أفراد المجتمع، مبينا في الوقت نفسه العواقب الوخيمة لإهمال المسئولية والتقصير أو الإعتداء على حقوق الآخرين.

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته».

وبهذا المنهج عاش أسلافنا وحققوا المعادلة الصعبة ما بين متطلبات الحياة ومراعاة أداء الحقوق والواجبات وتحمل كل مسئول مسئوليته وأداء المهام المنوطة به على أكمل وجه.

لكن لوحظ في الفترة الأخيرة في المجتمعات الإسلامية إنتشار ثقافة اللامبالاة والأنانية والإستهتار والهروب من تحمل المسئولية مما ترتب عليه ضياع حقوق المواطنين نتيجة لإهمال الحكام المسئولين، وضياع حقوق الزوجة أو الزوج، وبالتالي الأولاد بينهما، نتيجة تخلي أحد أركان الأسرة عن مسئولياته، وإهتزاز الأخلاق والقيم الإسلامية الإجتماعية التي هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها أي مجتمع ينشد الرقي والتقدم.

يتفق العلماء على أن السبب في ذلك بالدرجة الأولى هو غياب ثقافة تحمل المسئولية والتركيز عبر وسائل الإعلام المختلفة على النماذج السلبية، وتعمد إقصاء وإبعاد النماذج الإيجابية.

من خلال السطور التالية نحاول كشف أسباب غياب وضياع تلك الثقافة، آملين أن تعود كما كانت تسود مجتمعات المسلمين، فكان هذا التحقيق:

¤ مســـئولية الحاكم:

في البداية يؤكد الشيخ عبد الخالق حسن الشريف مدير مركز منارات للدراسات الشرعية والفقهية أن الحاكم هو صاحب الولاية العامة على شؤون الناس عامة، المكلف منهم بتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكام والإلتزام بها، والحرص على تحقيق مصالحهم جميعاً بحفظ حقوقهم، وتأمين حاجاتهم، والعمل على حفظ أمن الدولة وإستقرارها، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي، وقد حذر الإسلام الحاكم من أي تقصير في القيام بمسؤولياته هذه، وقرر مبدأ المسائلة والمحاسبة عليها في الدنيا والآخرة.

¤ مســـئولية الرجل:

وأوضح أن الإسلام إهتم بالأسرة إهتماماً بالغاً، وحرص على إستقرارها وإستمرارها، فالأسرة هي أساس بناء المجتمع وتماسكه، لذا تعددت التوجيهات الإسلامية التي ترسم خطوط بناء الأسرة، وتُحدد مسؤوليات أفرادها.

فأعطى الله للرجل رئاسة الأسرة وحمله مسؤولية القيام على شؤونها بتأمين حاجاتها من مأكل ومشرب وملبس إلى غير ذلك مما تحتاجه، كما حمله مسؤولية حُسن تأديب أولاده وتعليمهم الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب دون تمييز بين ذكر وأنثى.

وأشار إلى أن عدم قيام الرجل بمسؤولياته نحو أسرته أو تقصيره فيها يتوجب مسائلته عنها ثم محاسبته عليها في الدنيا والآخرة.

¤ مســـئولية المرأة:

أما عن دور المرأة، فقال الشيخ عبد الخالق: لقد إهتم الإسلام بالمرأة كما إهتم بالرجل، فحدد لها نطاق مسؤولياتها في الأسرة بما يتفق وبنائها الجسمي والعاطفي الذي لابد له من أن تظهر آثاره على أسرتها وبيتها، ولعل أول مسؤولياتها تبدأ بتحقيقها السكينة والإستقرار لزوجها، ثم مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم وتنمية قدراتهم العقلية والإنفعالية والجسمية في ظل بيت تغمره المودة والرحمة، بالإضافة لمسؤوليتها في حفظ مال زوجها وحسن التدبير له ومحافظتها على عِرضه بحفظ نفسها.

ولا يعني هذا أن لا تقوم المرأة بأعمال أخرى في المجتمع الذي تعيش فيه، بل لأهمية الأسرة ودورها في بناء المجتمع الصالح نجد الحديث النبوي الشريف قد ركز على ذكر مسؤوليات المرأة في بيتها، وفي حالة تقصيرها عن قيامها في مسؤولياتها فإنها تُسأل أو تحاسب على ذلك في الدنيا والآخرة مثلها مثل الرجل، فهما في نظر الشريعة الإسلامية سواء في تحمل المسؤولية والمحاسبة.

¤ مسئولية العامل والموظف:

كما أكد أن العمل في الإسلام من أطيب أنواع الرزق وأفضله، سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب أو أفضل؟ قال: «عَمَلُ الرجل بيده، وكلُّ بيع مبرور» -المستدرك، كتاب البيوع، ج2،ص 13.

وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن كل عامل مؤتمن على العمل الذي يقوم به، ومطالب بحسن إدارته والسعي في تحقيق صلاحه ويشبهه الموظف في الدائرة الحكومية والأهلية فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنً الله يُحب إذا عًمِل أحدكم عملاً أن يتقنه» -مسند أبي يعلى ج7، ص 349،حديث 4386.

بالإضافة إلى تقديم النصح والتوجيه لكل ما من شأنه أن يمس مصلحة العمل، وأي إهمال أو تقصير للعامل في أمانته وإخلاصه في العمل يستوجب المساءلة والمحاسبة في الدنيا والآخرة.

[] ثقافة متـوارثة:

أما الدكتور القصبي محمود زلط الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية فيوضح أن المجتمع الإسلامي لكي يكون مجتمعاً سليماً قوياً متيناً معافى من الأمراض الإجتماعية حمل الإسلام المسؤولية جميع الأطراف فيه، عدا الصبي والمجنون، وبإلقاء المسؤولية على الجميع، يحصل التوازن في المجتمع ويعلم كل فرد أنه مؤاخذ ومحاسب على ما يفعله وما تكسبه يداه وما يكنه ضميره.

وحول تناقل الأجيال لثقافة تحمل المسئولية، يوضح الدكتور القصبي زلط أن البيت هو العمود الفقري في ذلك والركيزة الأساسية التي تنطلق منها الثقافة الإسلامية الصحيحة ومنها قيمة تحمل المسئولية، إذ إن الأم والأب هما القدوة الأولى لجميع الأبناء ذكورا وإناثا ومن هذه المدرسة الأولى يتخرجون إلى مدرسة ومعترك الحياة بكل ما فيها من عقبات ومشاكل.

ولا شك أن تشرب الأبناء من الوالدين -اللذين اتخذا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة طريقا ومسلكا في الحياة- خلق الرجولة وتحمل المسئولية، لابد أن ينعكس ذلك الشراب الطيب على سلوكهم في الحياة مع أقرانهم ومع من يتعاملون معهم في مختلف مراحل حياتهم وتستمر هذه القيمة يتوارثها جيل وراء جيل في سلاسة ويسر.

[] اختيار الأصلح.. مسئولية:

وأكد الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المشاركة الشعبية الفاعلة في الإنتخابات تعد واجبا شرعيا ووطنيا لتثبيت دعائم الشورى والنهوض بالبلاد في مختلف المجالات، وأن الإحجام عن تحمل هذه المسئولية هو كتمان للشهادة وقول الحق.

وأوضح أن العملية الإنتخابية الصحيحة القائمة على الصدق والأمانة والشفافية هي تطبيق لمبدأ الشورى الذي نص عليه الإسلام، فيجب أن نشرك فيها أبناءنا ونساءنا ولابد أن يعرف الجميع أن الإدلاء بالصوت في صناديق الإقتراع مسئولية وأمانة يحاسب عليها المرء يوم القيامة، فالصوت أمانة يجب أن يعطى لمن يستحقه ممن تتوافر فيهم الصفات التي من خلالها يؤدون رسالتهم في خدمة الشعب، كأن يكون أمينا ومخلصا وصادقا ويتمتع بأخلاق حسنة وأن يكون ملتزما بأداء تعاليم دينه محبا لوطنه وأهله ويعلم الدور المنوط به جيدا فليست المسألة تشريفا لكنها تكليف ومسئولية.

وقال إنني أرى أن في الانتخابات إمتحانا للإنسان الصادق الذي يشهد شهادة الحق ويعطي صوته للحق ويساعد على نشر الفضيلة وإحقاق الحق ونصرة المظلومين.

وأرى أن الإنسان الذي لا يتحمل مسئولية قول الحق وشهادة الحق ويحجم عن الذهاب إلى صناديق الإقتراع والإدلاء بالصوت هو إنسان سلبي يكتم الشهادة ويعمل على إشاعة السلبية واللامبالاة في المجتمعات. قال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [البقرة:42].

¤ مسئولية الشباب:

الشيخ السيد عسكر الأمين العام المساعد الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وعضو مجلس الشعب يرى أن الشباب -وهم عدة الأمة- يجب أن يربوا على معرفة مسئوليتهم تجاه الدين الذي يدينون به، فأغلب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا من الشباب، وتحملوا في سبيل الدعوة الكثير، وبذلوا النفس والنفيس من أجل ذلك، وتركوا الدور والأهل والمال.

وأكد أننا في حاجة إلى شباب يحمل الفهم الصحيح للإسلام، ويتحرك به بين الناس ليل نهار دون كلل أو ملل، يشرح حقائق هذا الدين للأمة كلها الرجال والنساء والكبار والصغار في أدب جم وخلق رفيع وحجة بالغة.

كما يجب أن نربي الشباب على الإيجابية، فالشباب لو وصف بالسلبية لضاعت الأمة، فنحن نريد شبابا إيجابيا في كل حياته مع الله، ومع أسرته، ومع جيرانه، وزملائه، ومع المجتمع عامة.

ونحن نريد شبابا إيجابيا مع نفسه يأخذها نحو الحق {ونفس وما سواها*فألهمها فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها} [الشمس:7 ـ10].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا» حديث حسن غريب رواه الترمذي -راجع جامع الأصول من أحاديث الرسول 11/699.

[] عواقب السلبية وإهمال المسئولية:

وأضاف الشيخ عسكر أن السلبية لو أحاطت بالشباب لكانت معول هدم للمجتمع بأسره لأن الشباب هو الطاقة الدافعة في كل المجالات، وهو الطاقة المنفذة في كل أمة وفي كل زمان.

وطالب بضرورة تدريس نماذج من شباب الصحابة والتابعين ودورهم في نشر الدين والدفاع عنه وتحمل أمانة تبليغه في مناهج التعليم عبر مراحله المختلفة.

كما أهاب برجال الدعوة والخطباء ووسائل الإعلام الهادف ودور النشر أن يتناولوا الموضوعات التي تهم وتمس حياة وسلوكيات الشباب وكيفية علاجها بطرق شرعية مع ضرب نماذج للشباب الناجح في القديم والحديث.

وأخيرا يؤكد الشيخ السيد عسكر ضرورة الإستفادة الكاملة من التكنولوجيا الحديثة وشبكة الإنترنت في نشر ثقافة الرجولة وتحمل المسئولية.

الكاتب: عبد الرحمن هاشم.

المصدر: موقع المستشار.